
هُنا القدس | سامر عوّاد
ما إن انتهى مزارعو مضارب المالح في الأغوار الشمالية من حراثة أراضيهم وبذرها بمحاصيل بعلية كالقمح والحمص والبازيلاء، حتى بدأ جيش الاحتلال مناورات عسكرية واسعة النطاق.
المناورات التي بدأت صباح الاثنين، بمشاركة مئات الجنود ودبابات ومدرعات واّليات عسكرية مختلفة، أدتّ لإتلاف مئات الدونمات الزراعية، وقضت على أحلام المزارعين بحصاد وفير هذا العام.
25 عائلةً طُردت من بيوتها الصفيحية إلى العراء، وأُعلِنت مناطق سكناهم "مناطق عسكرية مغلقة " لحين انتهاء مناورات جيش الاحتلال، حسبما أفاد رئيس مجلس محلي مضارب المالح عارف دارغمة لـ هُنا القدس، مُشيرًا إلى أن المناورات التي بدأت تأتي استكمالًا لمناورات شبيهة جرت مطلع الأسبوع الفائت.
ويوضح دراغمة أن المضارب تُشكل ثلثي مساحة الأغوار الشمالية، ويعيش فيها قرابة ثلاثة ألاف نسمة موّزعين على 13 تجمعًا سكانيًا تعتمد على رعي الأغنام وتربية المواشي كمصدر رزق أساسي.
ويشير دراغمه خلال حديثه لـ هُنا القدس إلى أن أكثر من 35% من السكان هم من الأطفال، وغالبية قاطنيها يعيشون حياة بدائية في خيام، وبيوتًا من القصدير والخيش، حيث تُحرم المضارب من إنشاء بنية تحتية خاصة بها.
وقطنت عشرات العائلات منطقة المضارب حتى احتلال الضفة عام 67، ومنذ ذاك الحين وهي تكابد وتصارع عجلة الاستيطان المتسارعة، فعلى بعد مرمى حجر من خيام المضارب، توجد ثلاث معسكرات تدريب لجيش الاحتلال، وسبع مستوطنات تتمتع بأبهى مظاهر الحضارة والرقي، فيما يُمنع على العائلات الرعوية بناء مسكن واحد من الطين.
ويتساءل دراغمة: لماذا يبنون هناك حيث يشاؤون، ويهدمون هنا كل ما يخرج عن مستوى الأرض؟ ويُضيف: السكان هنا تحت مرمى الاحتلال ومستوطنيه في كل حين، فاعتداءاتهم لا تتوقف، وغالبيتها تكون من مستوطنة "مسكيوت" التي ينفذ مستوطنوها اعتداءات شبه يومية على سكان المضارب.
ويستذكر دراغمة كيف ارتقى شهيدين من أهالي الأغوار عام 2011، بعد أن انفجرت فيهما ألغام أرضية من مخلفات جيش الاحتلال أثناء رعيهم لأغنامهم.
وكشف دراغمة في حديثه عن تجفيف الاحتلال لينابيع المياه، والآبار الارتوازية عن طريق هدم بعضها، وحفر آبار عميقة بالقرب من بعضها الآخر، وبذلك يعيش سكان المنطقة دون مصدر للمياه، ويضطرون لجلبها من مناطق بعيدة بواسطة صهاريج تكلفهم من الوقت، والجهد، والمال ما لا يطيقون.
ويصف دراغمة معاناة أطفال المضارب، وكيف هدم الاحتلال مدرستهم، الأمر الذي ترك في نفوسهم الكثير، وجسّد لهم معاناة يومية أثناء تنقلهم من وإلى المدارس التي يتلقوّن تعليمهم فيها ببلدتي تياسير، وعين البيضا، ويقطعون 20 كيلو مترًا ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام قبل أن توفر لهم وزارة المواصلات حافلتين للتخفيف من معاناتهم، وأشار إلى أن كثيرًا منهم تحولوا لرعاة أغنام لعدم مقدرة أهاليهم على تحمل تكاليف دراستهم، ومصاريفهم اليومية.
يعاني أهالي المضارب من صعوبة وصولهم للبلدات، والمدن المحيطة كطوباس، وجنين، ونابلس، فمن له عمل في هذه المدن، أو يدرس فيها يضطر لاستئجار سكن خاص، أو تحمل أعباء طريق طويل شاق وعر كل يوم، فضلاً عن مضايقات جيش الاحتلال والمستوطنين، سواء على الطرق أو على حاجز تياسير المقام على مدخل المضارب.
لتضاف هذه القضية للقضايا المُثقلة لكاهل الأهالي هناك، ولسان حالهم ينطق بمرارة الأسى، وضيق الحال.