
معاريف | بن كسبيت
بيبي يقسم القدس. هذا في واقع الأمر هو ما يحصل هذه الأيام، حين يقرر الكابنت فرض "حصار متنفس" على الأحياء الشرق مقدسية ويقيم فاصلا بيننا وبينها، فاصل لن يمنع الماء، وبالتأكيد لن يمنع حملة السكاكين. وبعد أن يلفظ الحصار المتنفس أنفاسه سيفرض حصار غير متنفس، واذا ما استمر الوضع في التدهور – ستنظر إسرائيل في فرض حظر تجول. وفي النهاية سنضطر إلى النظر في امكانية اعادة الحكم العسكري. اما حلول اخرى فلا توجد.
هذه ظاهرة شعبية، واسعة، منتشرة، غير متوقعة، لا تقاس ولا يمكن السيطرة عليها. وحتى ألف أبو مازن لن يتمكنوا من وقفها. هؤلاء الشباب الفلسطينيون، بعضهم أطفال، ممن يهاجمون بالبلطات والسكاكين، يعيشون في كيان آخر تماما، دافعهم آخر تماما، وهم يجسدون حلم "الربيع العربي" الذي اجتاح الانظمة، الحدود والدول، للخريف الفلسطيني الذي يغمر الآن الشوارع من القدس وحتى رعنانا، عبر جدار غزة. منذ زمن غير بعيد، في بداية هذا العقد، كان هناك من حذرنا من "تسونامي سياسي" في اعقابه قد يأتي تسونامي عنف على الارض. وقد تبددت نبوءات الغضب ولم يحصل شيء. وواصلنا كالمعتاد، مقدسين للوضع الراهن، نعيش الحياة الطيبة ومقتنعين بأن كل شيء على ما يرام. أما الآن فكل شيء يتفجر.تهتاج القدس منذ سنتين. في السنة الماضية اصبح الهياج عنيفا وقابلا للانفجار. وقد سجلت كل العناوين بأحرف حمراء على كل الحيطان، ولكن نتنياهو لم يفعل شيء. باستثناء إلقاء الخطابات، بالطبع. كل الخطوات البطولية التي "يبادر اليها ويدفعها إلى الامام" الآن سبق أن تقررت ودفعت إلى الامام في السنة الماضية وفي تلك التي سبقتها. وفي النهاية يكاد يكون كل هذا علاقات عامة. نتنياهو يحظر على الوزراء إجراء المقابلات الصحفية، يبعث إلى التلفزيون بوزرائه (شتاينتس، ميري ريغف)، يحصد المكاسب على مشاريع القوانين التي ترفض ويسرب إلى قنوات التلفزيون "خطوات الكابنت" قبل لحظة من النشرة الاخبارية، لتهدئة الجمهور. ولكن الجمهور لا يهدأ. لا يوجد ما يدعوه إلى الهدوء.
منذ زمن غير بعيد هدد نتنياهو من انه اذا صعد "تسيبي وبوجي" إلى الحكم سيتعين علينا السفر إلى المبكى في مجنزرة. نصف هذه النبوءة تحققت. تسيبي وبوجي ليسا في الحكم، ولكن المجنزرات في الطريق إلى القدس. الخطوات الامنية التي يتخذها نتنياهو الآن صحيحة. وهو يبدي ضبط النفس ويتصرف بحذر. المشكلة ليست في ما يفعله الآن بل ما لم يفعله حتى الآن. من يقدس الوضع الراهن ولا يفعل شيئا في عشية السبت، يأكل العصيدة التي طبخها في السبت.